نص أدبي : الطبيعة و النفس الإنسانية

0

التعرف على صاحــــــــب الـنـــــــــص
عبد الرحمن بن خلدون ولد بتونس 723ه- 1332م نشأ على حب العلم تحصيله، اتصل بعلماء عصره وأخذ عنهم شتى المعارف، بقي يتقلب بين بلاد الأندلس والمغرب العربي حتى بلغ مصر، وتوفي بها 808ه-1406م.
تولى عدة مناصب منها القضاء وترك عدة آثار أهمها: كتاب" العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" وما يعرف الآن بمقدمة ابن خلدون و له أيضا شرح البردة و هي كتاب في مدح الرسول، و كتاب لباب المحصل في أصول الدين ، وهو تلخيص كتاب الفخر الرازي في علم التوحيد. وكتاب في الحساب، ورسالة في المنطق
اكتشــــــــاف معطيـــــــات النــــــــــص:

المسألة التي استرعت نظر الكاتب و أثارت اهتمامه هي الترتيب والأحكام الذي تخضع له الكائنات في العالم.
ـ لاحظ العلماء أن الأصناف النباتية والحيوانية لا تبقى على حالها من تاريخ نشأتها إلى حين انقراضها . حيث أن آخر أفق النباتات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون , واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه وانتهى في تدريج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والروية

يدل على ذلك قوله: آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف...ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول الأفق الذي بعده.
- إن نظرية التكوين عند ابن خلدون تصنف الأنواع النباتية والحيوانية وترتقي بالإنسان باعتباره عاقلا مفكرا، وتشير إلى أن خلق الإنسان قد مرّ بأطوار عن طريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر.
- التطور لا ينحصر في الأنواع النباتية و الحيوانية وحدها فهو يشمل النوع البشري أيضا . ذلك أن للنفس استعدادا للانسلاخ من البشرية إلى المَلكية لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات .

- يرى الكاتب أن في عالم الحس آثار من حركات الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركة النمو والإدراك، ومرد ذلك مؤثر روحاني مباين للأجسام.
ـ يعد الكاتب من العلماء الروحيين الذين يعتقدون بوجود روح منفصل عن البدن , ويظهر ذلك من خلال قوله : إن هذه النفس الإنسانية غائبة عن العيان وآثارها ظاهرة في البدن .

-من قوى النفس البشرية الإدراك والحركة ، وتحتاج إلى وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة لترقى إلى جنس الملائكة في وقت من الأوقات.
ـ قسم الكاتب الإدراك إلى نوعين هما : الحس الظاهر والحس الباطن  , فالحس الظاهر : هو قوة تدرك المحسوسات مبصرة ومسموعة وملموسة , أما الحس الباطن : فهو الخيال وهو قوة تمثل الشيء المحسوس في النفس .
مناقــــــــــشة معطيـــــــات النــــــــــص

- يمكن التمييز بين موقفين أو مدرستين : مدرسة تقول أن جميع الحوادث المستقبلية محددة سلفا و ستحدث ضرورة (وهذا ما يعرف بالقدرية Fatalism ) (و هي نظرة أكثر تعلقا بالميتافيزيقيا), و الحتمية التي ترتبط أساسا و تعتمد على أفكار المادية و السببية
ـ نظرية القدر المحتوم ( الجبرية ) ترى بأن العبد مجبور في أفعاله , ويعتقدون أنه لا فاعل على الحقيقة إلا الله , وأما العباد فإن الفعل ينسب إليهم مجازا  , وهذا القول أدى إلى القول بوحدة الوجود , إلى جانب إلغاء قانون السببية أي ربط الأسباب بمسبباتها والنتائج بمقدماتها

-تقترب آراء ابن خلدون في هذه المسألة مع نظرية التطور عند داروين في الارتقاء من الناحية العضوية البيولوجية واستحالة الكائنات بعضها إلى بعض.
ـ نظرية  التطور. ترى أن كل نوع حي قد خضع لتطور وتغيرات عبر العصور ضمن النوع الواحد نفسه (مثلاً الحصان الحالي وأسلافه ). الفرضية  هي مجموعة التأملات الفلسفية التي حاولت شرح كيف ظهرت ´´أو تطورت ´´ الأنواع عبر التاريخ . هذه الكيفية هي لب فرضية التطور. الكثير من هذه الفرضيات شرحت ظهور الإنسان  بأنه ظهور تم بالصدفة نتيجة تطور أنواع ادني منه (كالقرود مثلاً )
وهذه النظرية تتطابق تماما مع تأملات ابن خلدون .

-من أمثلة ذلك شعور الإنسان بالخوف والفزع نتيجة مؤثر حسي يوحي له بالهلع ، فهذه الحالة النفسية تدفع به إلى الهرب وهنا يتدخل البدن فتتحرك الأرجل والأيدي .
تحديد بنــــاء النــــــــــص

ـ مقاطع النص باعتبار المضامين معيارا :
ـ مشاهدة العالم ( اعلم ـ غايته )
ـ العالم المحسوس الجثماني ( وأبدأ ـ فيها )
ـ عالم التكوين ( ثم انظر ـ والروية )
ـ تأثر هذين العالمين بمؤثرات مباينة ( ثم إنا نجد ـ عالم الملائكة )
ـ استعدادات النفس البشرية وآثارها( فوجب ـ فقط)
والعلاقة بين هذه المقاطع ودلالة المخاطب في ذلك تتمثل في التوضيح والتدرج بالتفصيل للإقناع أي النمط التفسيري.
-مواطن هذا التحول تتمثل في: وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجثماني، وقد ورد تفصيل ذلك في : وأولا عالم العناصر المشاهدة....
ثم إننا نجد في العوالم آثارا متنوعة ورد تفصيل ذلك في : ففي عالم الحس...، فلها في الاتصال.. ورد تفصيل ذلك في:فهي متصلة بالبدن..
فكأنه وجميع أجزائه مجتمعة ومتفرقة... .. ورد تفصيل ذلك في: أما الفاعلية...، وأما المدركة...
-إن ابن خلدون قدم لنا نظرية التطور والارتقاء في الطبيعة و النفس الإنسانية حيث أوضح أن العالم جاء على هيئة من الترتيب و الإتقان و لم يجئ صدفة و وظف أمثلة لفهمها و روابط للوصول إلى المقصد و توصل إلى نتيجة أن التطور يشمل النوع البشري و أن النفس الإنسانية قادرة على الرقي إلى أعلى درجات

-نمط النص تفسيري حجاجي،إذ اعتمد الكاتب على التفصيل والتوضيح، كما اعتمد على الأدلة والحجج لتحقيق الإقناع.
تفحـــــــص الاتســــــاق والانسجــام في تركيـــب فقـــــــــرات النــــــــــص

-من الروابط التي وظفها الكاتب حروف الجر والعطف مثل:الواو، ثم من،إلى، الباء، في

- ما أشار إليه الكاتب في بداية النص،إذ رأى أن هذا الكون يخضع لترتيب وتنسيق محكمين ، ويعود السبب في ذلك إلى التدرج في الخلق والتكوين ، ومن أمثلة التضاد ما أشار إليه في استعداد النفس للانسلاخ من البشرية إلى الملكية.
- إن الطبيعة والنفس الإنسانية تخضع للتطور والارتقاء، كما تنتقل من حال أدنى إلى حال أعلى بالتدرج ، وفي توضيح هذه العلاقة تحقيق للانسجام والتنسيق في عرض المعاني.
-وظفها في التدرج الموضوعاتي الذي اعتمد فيه على التفصيل والتوضيح بعرض الأسباب و النتائج.
-انظر إلى التكوين كيف بدأ من المعدن ثم النبات ثم الحيوان، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملكية
مجمل القـول في تقديـــــر النـــــــــص

-تناول ابن خلدون نظرية التطور التدريجي في الطبيعة والنفس الإنسانية، وقدّم أمثلة لفهمها، واستعان بنمط من التعابير للوصول إلى مقصده ووصل إلى نتيجة وهي أن هذا التطور لا ينحصر في الأنواع النباتية والحيوانية بل يشمل النوع البشري أيضا. وأن النفس الإنسانية قادرة على الرقي إلى أعلى الدرجات بفضل ما ركب فيها من قوى عديدة ومتنوعة لتسمح لها بذلك.

ـ امتاز أسلوب المقدمة بأنه جمع بين البساطة وقوة التعبير ودقة التدليل وحسن الأداء والتناسق, وهي مثل أعلى لحسن البيان والفصاحة المرسلة . 

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

مرحبا، شكرا لك عزيزي الزائر على إكمال قراءة الموضوع، نرجو منك ترك انطباعك في التعليقات.